تعد شجرة الميطان أو الزيتون البري من الأشجار المهمة والمعمرة في جبال ظفار، حيث يزيد عمرها الافتراضي على 300 عام ويرى العديد من الخبراء أن هذه شجرة لها دور كبير في استقطاب الضباب والرذاذ الماطر وتساهم بشكل فعّال في توفير عدد كبير من اللترات المائية عند كل شجرة، وللأسف أن عدد أشجار الميطان بدأت تنقرض بشكل كبير بسبب الاستخدامات البشرية والآفات الحشرية وانتهاء عمرها الافتراضي مع عدم نمو أشجار جديدة بسبب الرعي وعدم استزراعها في المناطق التي تنمو فيها.
تنتمي شجرة الميطان إلى فصيلة الزيتونيات وهي تمثل نوعا من أنواع الزيتون البري وهي شجرة دائمة الخضرة يصل ارتفاعها إلى أكثر من 8 أمتار بولاية صلالة، وتتميز بخاصية التجدد الطبيعي إذا توفرت لها الظروف المناسبة والحماية … وتتمثل هذه الخاصية في: نمو سيقان جديدة تنبعث من جذور الأشجار القديمة التي يتوقف نموها بأسباب العمر أو بأسباب أخرى مثل الرعي المكثف أو القطع وهذا ما تبينه الصور المرفقة.
تنتشر هذه الشجرة في مناطق الهضاب العالية والأطراف الشمالية للهضاب الرطبة وفي منحدرات الأودية في محافظة ظفار وتتواجد في مجموعات مع شجيرات الكيليت وبشكل عام تتواجد بكثافات مختلفة في شريط القطن الجنوبي المتاخم للخطم بالاتجاه من الشرق للغرب في سلسلة جبال ظفار، كما تتواجد أيضا في شمال عمان بمنطقة الجبل الأخضر.
وتأتي أهمية شجرة الميطان باعتبارها أحد المكونات الرئيسية للغطاء النباتي في جبال ظفار وتكمن أهمية الأشجار في عمل تشققات في التربة مما يؤدي إلى تسريب مياه الأمطار إلى باطن التربة بواسطة هذه التشققات وبالتالي تغذية المخزون الجوفي. وتتميز مناطق أشجار الميطان بهبوب الرياح المحملة بالضباب الكثيف خلال موسم الخريف والمجموع الخضري لهذه الأشجار يكون شبكة تعترض الرياح المحملة بالضباب مما يؤدي إلى اصطياد وتكثيف الضباب وبالتالي تزيد من كميات المياه الساقطة.
وتعتبر الأخشاب التي تؤخذ من هذه الأشجار شديدة الصلابة مقارنة بالأنواع الأخرى، كما أنها تقاوم الآفات مثل النمل الأبيض لهذا تستخدم في صناعة العصي، كما كانت تستخدم سابقا في أغراض البناء والتشييد وفي الأدوات الزراعية وللأسلحة التقليدية مثل السهام والحراب.
وبطبيعة الحال فان بعض المواقع التي تغطيها أشجار الميطان تعرضت للاستغلال الجائر مثلها مثل باقي الغطاء النباتي بالإضافة إلى أنواع مهمة أخرى من الأشجار التي تتواجد معها بصورة تكاملية مثل أشجار الكيليت والطلح وغيرها، والتي تحتاج إلى جهود متكاملة للحفاظ عليها واستدامة بقائها.
حفظ التوازن البيئي
وحول أهمية هذه الشجرة يقول الدكتور محاد بن عيسى شماس خبير بيئي في وزارة البيئة والشؤون المناخية سابقا وباحث بيئي: إن بعض الدراسات تحدثت عن جدوى تجميع مياه الضباب والأمطار في جبال ظفار وذلـك ما بيـن 1990-1992م، وكانت تقديراتهم بأن شجـرة الميطان (Olea europaea) يمكـن أن تجمـع مـا بيـن (50) ألفا و(70) ألف لتر خلال 79 يوما أثناء موسم الرياح الموسمية، وقد أكدت الدراسات على دور الأشجار في عملية تجميع الضباب والندى مما يعزز تغذية المياه الجوفية وبالتالي يرون بأنه يجب دعم أي نشاط لإعادة الغابات من جديد داخل منطقة مستجمع المياه في جبال ظفار، وأوضحت الدراسات أن مياه الضباب تبلغ في المتوسط ما نسبته 60-80% من إجمالي تساقط الضباب والمطر، وقد تم تجميع التساقط المتخلل من تحت شجرة الميطان الواحدة واتضح بأن كمية مياه الضباب التي جمعتها الشجرة تعادل ثلاثة أضعاف كمية المطر الهاطل الذي تم قياسه وذلك في دراسة (كوي كونسلت، 1992 و شماس، 2007). وأضاف محاد شماس قائلا: من خلال لقاءاتي المختلفة مع المواطنين في نيابات طيطام وقيرون حيرتي وزيك وجحنين بجبال ظفار أكدوا أن الأشجار كانت كثيفة جدا قبل أربعين عاما، وكانت الأشجار والشجيرات متراصة جدا يصعب عبور أي شخص بينها، حيث كانت المسافة بين شجرة وأخرى أقل من نصف متر في الكثير من الأماكن. وأشاروا الى أنهم كانوا يستخدمون أشجارا مثل التين البري والميطان والمشط في تجميع مياه الضباب خلال فصل الخريف في أحواض توضع تحت تلك الأشجار للاستفادة من تلك المياه بعد فترة موسم الخريف.
تصيد الضباب
وقال الدكتور محسن بن مسلم العامري الخبير في مجال البيئة وعضو في الجمعية العمانية للبيئة: تعتبر شجرة الميطان من فصيلة الزيتونيات واسمها العلمي Olea europaea وهي شجرة كبيرة الى متوسطة الحجم دائمة الخضرة يصل ارتفاعها الى 10 أمتار وأوراقها متقابلة لونها اخضر مائل للسمرة في الأسفل ومغطاة بشعر يشبه الحراشف. زهار شجرة الميطان صغيرة، لونها أبيض ورائحتها عطرية. الثمرة لبية لونها أرجواني ضارب في السواد عند النضج والشجرة أحادية البذرة، وتنمو شجرة الميطان في الأراضي الجبلية على ارتفاع 1000 متر عن سطح البحر ولكنها تفضل الأراضي المستوية التي تصل إليها الحيوانات، والشجرة تنمو في الشريط الجبلي محصور المساحة نسبيا فلا وجود للميطان في السهل وقليلة في المنحدرات شديدة الانحدار، وتتميز شجرة الميطان بقدرتها على صيد الضباب نتيجة لكونها دائمة الخضرة وشكل أوراقها يساعد على تجميع الضباب في الخريف من الجو حيث تنبه الأهالي الى هذه الميزة وعملوا على تجميع المياه تحت شجرة الميطان أثناء موسم الخريف، وتشير بعض الدراسات الى مقدرة الشجرة على تجميع من 50 الى 70 ألف لتر ماء خلال 79 يوما في فترة الخريف، وتمتاز أشجار الميطان بقوة خشبها حيث يصنع سكان المنطقة قديما منازلهم من أخشابها وتستخدم الفروع في صناعة العصي. وتزهر شجرة الميطان في شهر مايو وتنضج الثمار في شهر أغسطس وتجذب زهور شجرة الميطان نحل العسل الذي ينتج عسلا عالي الجودة.
جهود وزارة الزراعة
نفذت الوزارة برنامج إعادة تأهيل شجرة الميطان (الزيتون البري) الذي يأتي ضمن مشروع تأهيل مشاتل الغابات وزراعة الأمهات البذرية بجبال ظفار بتمويل من صندوق التنمية الزراعية والسمكية، ويعتبر هذا المشروع الأول من نوعه في مجال العناية بأحد أهم مكونات الغطاء النباتي في ظفار وهو من المشاريع الحيوية التي تساهم بفعالية في معالجة إعادة التوازن البيئي وتغذية المياه الجوفية وغيرها من أهداف إعادة الغطاء النباتي لأهم الأشجار، كما هدف المشروع إلى إعادة استزراع أمهات بذرية للأشجار المهددة بالانقراض وعلى رأسها أشجار الميطان وقد بلغ إنتاج المشتل خلال فترة المشروع خلال الفترة من (2/2/2013م إلى 1/11/2014م) 29814 شتلة معظمها من اللبان والميطان (20.000 شتلة تقريبا) ونقل وإضافة (250) شتلة ميطان بمسور جحنين إلى جانب أنواع الأشجار الأخرى المزروعة في هذا المسور، كما تمت زراعة (2200 ) شتلة ميطان. وتأتي هذه الجهود بهدف تنمية وتطوير القطاعات الزراعية والحيوانية والموارد الرعوية حيث نفذت العديد من الأنشطة والبرامج التنموية خلال السنوات الماضية في مجال الحفاظ على الموارد الرعوية والغابوية للمحافظة على الأشجار والشجيرات الغابوية من خلال توفير شتلات الأشجار والشجيرات لبرامج إعادة تعمير الغطاء الشجري بمحافظة ظفار إضافة إلى تلبية احتياجات الجهات الأخرى من هذه الأشجار، فقد قامت الوزارة بإنشاء مشتل ليغطي احتياجات المواطنين والمدارس والمؤسسات الحكومية بظفار من الشتلات ويتم توزيع عدد كبير من هذه الشتلات إلى المواطنين وسكان الأرياف والمدارس من خلال برنامج الإرشاد الرعوي المكثف وكذلك إلى الجهات الحكومية المختلفة خصوصا بلدية ظفار. علاوة على إنشاء حديقة شجرية تضم أكثر من (60) نوعا من الأشجار المحلية وهي تمثل بنكا للجينات الوراثية وحفظ الأنواع.
وتعقيبا على ما قامت به وزارة الزراعة يقول الدكتور محاد شماس: إن محافظة ظفار تحتفظ بـ750 نوعا نباتيا غابويا، منها 50 نوعا نباتيا غابويا مستوطنا فقط في إقليم ظفار. وهذه الجهود البسيطة لا يمكن لها إعادة التوازن البيئي لريف ظفار، وعليه يتوجب من وزارة الزراعة تطبيق برامج إراحة المراعي والغابات في أرياف محافظة ظفار اعتبارا من شهر يونيو هذا العام 2017م. إن المسؤولية مشتركة بين عدة وزارات وهي وزارة البيئة ووزارة الزراعة ومكتب وزير الدولة ومحافظ ظفار والمجتمع الريفي لتطبيق برنامج إراحة المراعي؛ فالمجتمع الريفي الشريك في قرار إراحة المراعي يشترط تقديم دعم حكومي له لتطبيق برامج الإراحة وهذا من حقه، حيث إن الإراحة من المحتمل أن تستمر خلال الخمس سنوات الأولى طول فترة فصلي القيظ والخريف، أي من شهر أبريل الى سبتمبر سنويا، وذلك حتى تتعافى المراعي وتزداد الكثافة الرعوية في الريف، ولهذا يحتاج المربي الى تدخل من الحكومة سريعا ومساهمة الحكومة بنحو 50% على الأقل من التكلفة الشهرية من الأعلاف الخضراء والمصنعة.
مخاطر الانقراض
وقال الدكتور محسن العامري: إن تناقص الأشجار البرية وخصوصا أشجار الميطان سوف يؤدي الى تناقص كمية المياه المستقطبة من الجو في فترة الخريف وقلة التساقط المطري وبالتالي قلة المياه في الخزانات الجوفية في سهل صلالة، هذا بدوره سيؤدي الى تداخل مياه البحر في المخزون الجوفي وتملح المياه وتملح التربة ويقل الإنتاج الزراعي بالإضافة إلى المساهمة في زيادة التصحر، ولذا وجب على الحكومة الإسراع في وضع برامج لإعادة توطين هذه الشجرة والمحافظة على ما تبقى منها.
الحقوق محفوظة لجريدة عمان